يقال الوُضُوء ويقال الوَضُوء، فهو بالفتح: هو ماء الطهارة تشير للإناء وتقول هذا وَضوئي، فإذا توضأت وعملت عمل الوُضوء قلت: هذا وُضوئي بالضم.
الحديث التاسع والعشرون:
قول النبي صلى اللـه عليه وسلم في حديث أبي هريرة رضي اللـه تعالى عنه: "لو لا أن أشق على أمتي لأمرتهم بالسواك عند كل صلاة" رواه أحمد في "مسنده" وغيره وهو حديث صحيح.
الوقفة الأولى: حول السواك يطلق بالكسر وبالضم، فتقول السِواك وتقول السُواك، السِواك بالكسر هو الفعل، وبالضم السُواك الآلة وهي عود السواك.
الثانية: دل الحديث على مشروعية السواك أو الإستياك عند كل وضوء، وأما حكمه من حيث الوجوب والاستحباب هنا عُبر بالمشروعية لاتفاق العلماء على أنه مشروع وأن الإنسان يُؤجر ويثاب عليه فهو سنة باعتبار أنه يُثاب عليه ولكن ما نقول أيضاً هو سنة من حيث الحكم ولكن وإن كان الصحيح هو أنه سنة وليس بواجب، ولكن الخلاف هنا هل هو سنة أم واجب والصحيح أنه سنة وإن كان بعضهم قد استدل بهذا الحديث على وجوبها "لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم"، ولكن هو ما أمرهم ولذلك كما قال الصنعاني وغير واحد من أهل العلم بأن هذا لا يدل على الوجوب.
الثالثة: السِواك يكون بكل شيءٍ ينظف الفم والأسنان، فليس مرتبطاً بالتعبد بالأراك، وإن كان الأراك قد استاك به النبي صلى اللـه عليه وسلم ولكن ثبت أيضاً أنه استاك بغير الأراك وهي الشجرة المعروفة التي تكون في بعض المناطق الرملية وغيرها، فهي معروفة في شرق الجزيرة وفي جنوبها أيضاً وفي أقطار كثيرة.
والمقصود منه كما قلت هو تطهير الفم لقول النبي صلى اللـه عليه وسلم: "السواك مطهرة للفم مرضاة للرب"، رواه أحمد من حديث عائشة رضي اللـه عنها.
وإن كان السياك بالأصبع قد ورد ولكن ضعفه بعض أهل العلم فينتظر في ذلك صحة الخبر، ويكون أيضاً الاستياك باستعمال الفرشاة الحديثة، إذا قلنا بأن آلة السواك ليست تعبدية في حد ذاتها وإنما المقصود طهارة ونقاء الفم حتى إن النبي صلى اللـه عليه وسلم يستعملـه في غير التعبد فكان إذا دخل بيته أول ما يبدأ به أن يستاك صلى اللـه عليه وسلم فهو سيلتقي بزوجته ويلتقي بأهلـه فيبدو منه رائحة غير محببة، وأما في الضوء والصلاة يكون السواك بالأعواد الذي يتخذه العرب عادة وهي غالباً ما تكون من الأراك ويستاكون بغيره أيضاً ولكن لا نقول عند الوضوء والصلاة إن يستاك بأي شيء ولكن بالعود حتى يصح أنه قد استاك عند كل صلاة، فهو عند الصلاة وهو عند الوضوء.
هناك جملة من الأحكام حول الاستياك لكننا لن نتعرض لـها لأنها ليست من شرط شرح بلوغ المرام التي اتفقنا عليه وهي أن تكون مختصراً ولكن جميع أحكام الاستياك سواءً كان هذا في حال الصيام أو غير حال الصيام وغيرها من الأحكام لم تكن مما دل عليه هذا الحديث، وإن كان الإمام الصنعاني قد ذكرها في معرض شرحه لـهذا الحديث.
الحديث الثلاثون:
حديث حُمْرَان مولى عثمان أن عثمان رضي اللـه عنه دعا بوُضوءٍ فغسل كفيه ثلاث مرات ثم مضمض واستنشق واستنثر ثم غسل وجهه ثلاث مرات ثم غسل يده اليمنى إلى المرفق ثلاث مرات ثم اليسرى مثل ذلك ثم غسل وجهه ثلاث مرات ثم مسح برأسه ثم غسل رجلـه اليمنى ثلاث مرات ثم اليسرى مثل ذلك،ثم قال: رأيت رسول اللـه صلى اللـه عليه وآلـه وصحبه وسلم توضأ نحو وُضوئي هذا"
المسألة الأولى: مشروعية غسل اليد ثلاث مرات للوضوء، ولكن هل تجزئ هذه الثلاث مرات عن غسلـه للمستيقظ من النوم؟ "إذا استيقظ أحدكم من النوم فيغسل يده ثلاث مرات"، قيل ذلك لأنها تجزئ وتتداخل وهذا هو الأقرب- واللـه أعلم- وقيل حتى يحصل هذا وهذا فيغسلـه عند استيقاظه ويغسلـه عند وضوئه- واللـه أعلم- .
المسألة الثانية: حول المضمضة وهي تحريك الماء في الفم ثم مزجه هل يشرع فيه التثليث أم أنه يكون مرة واحدة؟
صحّ في حديث علي رضي اللـه تعالى عنه في وصف وضوء النبي صلى اللـه عليه وسلم أنه تمضمض واستنشق ثلاث مرات، فيؤخذ بالزيادة الواردة في حديث علي رضي اللـه تعالى عنه وهو أنه حديث ثابت في مشروعية التثليث حتى في المضمضة والاستنشاق، والاستنشاق هو إدخال الماء إلى الأنف وجذبه بالنفس إلى أقصاه ومن ثم نثره.
المسألة الرابعة: هنا في قولـه "أنه غسل يده إلى المرفق" فلفظ إلى تحتمل أن الغاية داخلة في المغيا أو أنها غير داخلة فيه، فتقول: مددت الخيط إلى الخط، وأنت تريد أنك مددت الخيط حتى الخط ولكنه ما دخل في الخط، وتقول أيضاً مددت الخيط وأنت تريد أنك مددته أيضاً حتى دخل في الخط، هذه المسألة هي في كلام العرب أن الغاية تدخل في المغيا أو لا تدخل، تحتمل هذا وتحتمل هذا فالعرب تقول: من كذا إلى كذا وهي تريد أن الحد يدخل في المحدود كما يقولون، وتطلق العرب أيضاً وتريد أن الحد لا يدخل في المحدود، ولكن كيف نطبق هذا في حديث النبي صلى اللـه عليه وسلم؟ هل الإنسان إذا توضأ إلى هنا وقال هنا المرافق ثم يقف هنا ويغسل اليد هكذا ثم يقف دون أن يغسل منطقة المرفق، أو نقول إلى المرافق أن الحد يدخل في المحدود وهو المرفق فيغسل المرفق كلـه وهو ملتقى العضد مع الساعد، هذا هو محل البحث وقد بُيِّن هذا في حديث أبي هريرة وهو الذي يقضي على المعاني العرفية واللُغوية عند العرب، لغة وعرفاً عند العرب يطلقون الحد ويقولون إنه يدخل في المحدود ويطلقون الحد ويقولون إنه لا يدخل في المحدود.
جاء هدي النبي صلى اللـه عليه وسلم ليبين ويختار فقد صح في حديث أبي هريرة رضي اللـه في صحيح مسلم أنه قال: ثم غسل يده اليمنى إلى المرفق حتى أشرع في العضد. وهي رواية مشهورة بينت أن بالفعل أن الحد يدخل في المحدود، ونقل العلامة الصنعاني- رحمه اللـه- عن الإمام الشافعي أنه قال: لا أعلم خلافاً في إيجاب دخول المرفقين.
المسألة الخامسة: فيه مشروعية المسح على الرأس، قال: ثم مسح برأسه. وكلمة مسح تتعدى بنفسها وتتعدى بغيرها، فتقول: مسح رأسه، لاحظ لم نأت بحرف من حروف الجر التي هي آلات للتعدية، مسح رأسه، وتقول: مسح برأسه، هذا كلام صحيح، لكن لا تقل: غسل برأسه وإنما تقول غسل رأسه، لا تتعدى إلا بنفسها ولا تتعدى بغيرها، لكن لماذا زادت؟ لماذا جيئت بالباء؟ يقول ابن تيمية رحمه اللـه، كما يقول أهل اللغة أيضاً: أن الزيادة في المبنى زيادة في المعنى، وعندما جاء اللـه عز وجل وعداها بمعنى زائد هو معنى الإلصاق والاستيعاب، هكذا قال ابن تيمية رحمه اللـه، الإلصاق: أن يكون لصيقاً، والاستيعاب أن يستوعب المسح كل الرأس، وقيل إن هذا المعنى غير وارد وأن هذا المعنى عند العرب فيه قلب، والمعنى مسح بالماء رأسه، فقلبت، الباء بدل أن تدخل على لفظ الماء دخلت على لفظ الرأس- امسحوا برؤوسكم الماء- هذا معنى الآية والحديث امسحوا برؤوسكم الماء، فيها قلب أما المعنى: امسحوا الرؤوس بالماء،ولكن سواء صح ما ذكره ابن تيمية رحمه اللـه في ذلك أو لم يصح فلم يتيسر لنا ذلك في تتبع كلام أهل اللغة ولم أجده فيمن ذكره من شراح الحديث، ولكن يكفي أن نعلم أن النبي صلى اللـه عليه وسلم في هديه الثابت عنه أنه كان يستوعب رأسه بالمسح، وسيأتي هذا في حديث الرُبِّيع بنت معوِّذ وحديث عبد اللـه بن زيد المازني وغيرها من الأحاديث.
المسألة السادسة: غسل الرجل إلى الكعبين وفيها أيضاً خلاف، هل يدخل الكعبان فيما يُغسل أو لا يدخلان؟ هذه مسألة خلاف أيضاً فبعضهم يقول لا يغسل الكعبان أيضاً وإنما يغسل الحد هذا هو العظم النافع يغسل من تحته، بينما من قال إلى الكعب فالكعب ينبغي أيضاً أن يدخلـه الغسل نقول أيضاً صحّ في حديث أبي هريرة في الصحيح أنه قال: وغسل رجلـه اليمنى حتى أشرع في الساق فإذا قلنا أشرع في العضد أو الساق فمعناه أنه دخل في العضد، ولكنه إذا قال هكذا ثم غسل المرفق فلا شك أن طرف اليد يقع على أسفل العضد، وإذا قلنا أإنه أشرع في الساق لا يعني أنه أخذ شبراً من الساق لكن إذا أخذ سنتيمتراً واحداً فيقال أيضاً إنه أشرع في الساق.
ما هو الكعب؟ هذه مسألة أخرى متعلقة بمسألة غسل الرجل، الكعبان قيل هما العظمان الناتئان في أسفل الساق أنهما هما الكعبان، وقيل أن الكعب هو العظم الذي في معقد الصراط، هذه الرجل ظهر الرجل فيه عظم ناتئ بين ملتقى أسفل الساق وملتقى ظهر الرجل يوجد عظم هنا يعنى أنه تأثر بالجلوس وأسفلـه عظم أيضاً، وبكثرة الجلوس يكون فيه مثل ما يقع في عطان البعير، فذهب أبو حنيفة رحمه اللـه إلى أن هذا هو المقصود بالكعب الذي إليه منتهى الوضوء أو الطهارة والواجبة للرجل، وذهبت الجماهير إلى أنه هو العظم الناتئ وهو الراجح وعليه العمل، العظمان الناتئان اللذان في أسفل الساق وليس في ظهر الرجل هذا هو قول الجمهور.
الحديث الواحد والثلاثون:
حديث علي رضي اللـه تعالى عنه في وصف وضوء النبي صلى اللـه عليه وسلم قال فيه بعد أن ذكر صفة الوضوء الذي جاء في حديث حُمران مولى عثمان، فالمؤلف اختصره ولم يورد منه إلا وجه الشاهد وهو قولـه: "ومسح برأسه واحدة" وهو حديث صحيح،
الأول: هذا الحديث زاد في الدلالة عما جاء في حديث عثمان رضي اللـه عنه أن المسح مرة واحدة، عين بدل أن يُضمر.
الثاني: أن غسل بقية الأعضاء كان ثلاثاً بينما في حديث عثمان أنه قال ثم غسل وجه ثم غسل يده اليمنى إلى المرفق وما قال ثلاثاً ولا اثنتين، الزيادة الواردة في حديث علي الثابت هو أنه نص على أن المسح مرة واحدة ونص على أن غسل بقية الأعضاء هو ثلاث مرات لذلك كان قول بعض أهل العلم أن هذه هي صفة الوضوء الكامل وهي ثلاثاً ثلاثاً فإذا جاء المسح مسح مرة واحدة، وذهب آخرون وهو الراجح إلى أن الغسل هو ثلاثاً ثلاثاً في جميع الأعضاء بما فيها المسح فيكون المسح فيها أيضاً ثلاثاً.
قلنا إن الأقوال الأولى أنه مرة واحدة لدلالة حديث علي، والثاني أنه مرة وجوباً- المسح- وثلاثاً على الاستحباب وذلك لدلالة الزيادة الواردة في حديث عثمان نفسه ولكنه عند أبي داود رحمه اللـه قال: ومسح رأسه ثلاثاً. رواه ابن خزيمة وصححه العلامة الحافظ ابن الجوزي رحمه اللـه وكذلك صححه ابن خزيمة نفسه، والألباني رحمه اللـه.
وهذا هو حجة القائلين بالتثليث في المسح وأنه سنة.
أقول وهذا هو الراجح لثبوت الحديث ولا يعتبر معارضاً لحديث عثمان رضي اللـه تعالى عنه إلا أن حديث عثمان قال: ومسح برأسه، لكنه ما قال مرة واحدة حتى يكون معارضاً لحديث علي، فنقول حديث عثمان الوارد في الصحيحين قال: ومسح برأسه، فقط، زاد أبو داود بسندٍ صحيح قال: ومسح برأسه ثلاثاً، ليس هناك تعارض لأنه يصدق عليه في الرواية الأولى أنه مسح برأسه، إذا أتى إنسان فنظف المكان ثلاث مرات ثم قال أحدهم: أنه نظف المكان، فجاء شخص آخر فقال: نظفه ثلاثاً أيضاً كلامه صحيح لا يعارض هذا، لا حظ أن الروايتين في حديث واحد بخلاف حديث علي أنه قال: مسح برأسه مرة.
هل حديث علي يعارض حديث حُمران؟ ولماذا؟
نحن قلنا حديث حُمران في الصحيحين "أنه مسح برأسه" بدون مرة ولا مرتين ولا ثلاث، في رواية ابن خزيمة الذي صححه ابن الجوزي والألباني "أنه مسح برأسه ثلاثاً" وقلنا بأنه لا تعارض بين الحديثين لأنه يثبت أن تقول مسح برأسه وتسكت ويعتبر مسحاً، وأن تقول مسح برأسه ثلاثاً فيكون موافقاً لـهذه الرواية. السؤال هو حديث علي وهو حديث آخر ليس حديث حمران عن عثمان، قال فيه: ومسح برأسه مرة، هل هو معارض لحديث عثمان؟
إن الحادثتين ليس فيهما دليل على أنهما حادثة واحدة ووضوء واحد ليس فيها دليل، بل حتى حديث عثمان ليس فيه دليل حتى لو كان التعارض في نفس حديث عثمان لما كان فيه دلالة حتى نثبت أن المخرج واحد- كما يقول المحدثون- مخرج الرواية واحد والقصة واحدة لا تتعدد يقول يعسر الجمع إذا كانت الحادثة واحدة فقال أحد الرواة فمسح برأسه مرة وقال الآخر: مسح برأسه ثلاث مرات، هذا يقول مرة يؤكد ما قال مرة إلا على التمييز بينما الآخر قال ثلاث، فكيف إذا كان هذه راويها علي وهذه راويها عثمان ويوجد الاحتمال الكبير بأنها حوادث متعددة ، مسح برأسه مرة للدلالة على أن هذا هو القدر الواجب، ومسح برأسه ثلاثاً للدلالة على أن هذه سنة، وهذا هو الراجح- واللـه أعلم- والمدار هو على ثبوت الحديث وحيث ثبت فعليه المعتمد.
الحديث الثاني والثلاثون:
هو حديث عبد اللـه بن زيد وهو أيضاً يصف وضوء النبي صلى اللـه عليه وسلم، وفيه: "ومسح رسول اللـه صلى اللـه عليه وسلم برأسه فأقبل وأدبر" هذه رواية الصحيحين، "مسح برأسه فأقبل وأدبر" ويفهم من أقبل أنه أقبل أولاً فيبدأ من الرقبة ثم يقبل هكذا هنا أقبل الآن، ثم يرجع فنقول أدبر، فتكون السنة إذاً في المسح هو أن يبدأ من رقبته إلى هامة رأسه ثم يرجع، ولكن في صحيح مسلم فسر الإقبال والإدبار قال عبد اللـه بن زيد: بدأ بمقدمة رأسه حتى ذهب به إلى قفاه، ثم ردهما إلى المكان الذي بدأ منه. هذا مفسر ويريحنا في قضية أقبل وأدبر، أقبل باعتبار مادام أنه فسرها بدأ بمقدمة رأسه فهذا باعتبار أنه أقبل إلى الظهر وقد فسرها الراوي تفسيراً واضحاً بيناً، ولكن في رواية للبخاري فقط- قلنا الرواية الأولى "أنه أقبل وأدبر" أنها في البخاري ومسلم- "وبدأ بمقدم رأسه ثم ردهما إلى المكان الذي بدأ منه" هذه رواية مسلم. في رواية للبخاري يقول فيها "فأدبر بيده وأقبل" في نفس الحديث، فربما الراوي نفسه قلبها بمعرفة المراد وإلا في رواية البخاري: "فأدبر بيده وأقبل"، وقد ورد في حديث المقدام بن معدي كرب، وهو صحيح: "أنه لما بلغ مسح رأسه وضع كفيه على مقدَّم رأسه فأمرها حتى بلغ إلى القفا ثم ردهما إلى المكان الذي بدأ منه"، وهي في السنن وحديثها صحيح، وهو يؤكد ما جاء في صحيح مسلم من حيث الفعل وما جاء في رواية البخاري من حيث الوصف أنه أقبل وأدبر، وورد صفة أخرى في حديث الرُبيِّع بنت مُعَوِّذ رضي اللـه تعالى عنها: "أنه مسح برأسه كل جهة على منصف الشعر" لم يتيسر لي تحقيق الحديث ولكن لو ثبت أن بعض العلماء صحح هذا الحديث فلو ثبت فهي صفة من صفات المسح وذلك حين يكون شعر الإنسان كثيفاً أو مرجلاً ويخشى عليه أن يكون شعثاً، وهذه وجهها كذلك الإمام الشوكاني أنه يمسحها هكذا حتى لا يضطر إلى تشعيث شعره مرة أخرى.
الحديث الثالث والثلاثون:
حديث عبد اللـه بن عمرو بن العاص رضي اللـه تعالى عنهما أنه قال: "ثم مسح برأسه- أيضاً فيها صفة الوضوء المطولة- ثم مسح برأسه وأدخل أصبعيه السباحتين في أذنيه ومسح بإبهاميهما ظاهر أذنيه". وهو حديث صحيح أيضاً، وفي الباب أيضاً حديث عبد اللـه بن زيد المازني رضي اللـه عنه: "أنه رأى النبي صلى اللـه عليه وسلم يأخذ لأذنيه ماءً غير الماء الذي أخذه لرأسه" رواه البيهقي بسندٍ صحيح، وعند مسلم "ومسح برأسه بماءٍ غير فضل يديه".
[size=21]اختلفت أقوال العلماء في أخذ ماءٍ جديدٍ للأذنين على أقوال:
القول الأول: ذهب الشافعي وأحمد أنه يؤخذ ماءٌ جديدٌ لأذنيه لدلالة هذا الحديث، وذهب آخرون إلى عدم ذلك واستدلوا بأحاديث
الدليل الأول: "الأذنان من الرأس" رواه جمع من الصحابة من حديث أبي أُمامة الباهلي وأبو هريرة وعائشة وجمع غفير من أصحاب النبي صلى اللـه عليه وسلم، رواه أصحاب السنن والمسانيد وغيرهم بأسانيد ضعيفة ولكن يقوي بعضها بعضاً، "الأذنان من الرأس" فمعنى ذلك: فمسح برأسه لا يحتاج أن يأخذ ماء جديد لأن الأذنين من الرأس، هذا على قول المخالف للشافعي وأحمد.
الدليل الثاني: حديث عائشة رضي اللـه عنها: "فمسح برأسه ومسح ما أقبل منه وما أدبر وصدغيه وأذنيه مرة واحدة" فإذا قيل لا يتصور أنه قد مسح ثم أخذ ماءً جديداً ثم نثر ثم مسح أذنيه رواه الترمذي وسنده جيد.
والراجح أن الأذنين من الرأس وأنه لا يجب أن يأخذ ماءً جديداً لـهما، ولكن لما ورد في حديث عائشة رضي اللـه عنها، وما ورد في صحيح مسلم "ومسح برأسه بماءٍ غير فضل يديه" كل هذا يدل على أن هذا القدر سنة ولكنه ليس بواجب.
فنقول: "الأذنان من الرأس" لا تعارض فهي من الرأس في أحكامه الواجبة، فإذا مسح برأسه جاز لـه أن يدخل أذنيه لأنهما من الرأس، ولكن لو أخذ بالسنة التي فعلـها النبي صلى اللـه عليه وسلم أحياناً كما ورد هذا في بعض الأحاديث فهي سنة فيؤجر ويُثاب عليها إن شاء اللـه.
الحديث الرابع والثلاثون: